المعمودية ومفاهيمها

من هم الذين يُعَّمدون ؟

هناك رأيان مختلفان في هذا الموضوع : 

1. رأي يعتقد أن المعمودية للمؤمنين البالغين فقط : ويبنون رأيهم على : 
 
(1) لم يذكر بشكل مباشر معمودية الأطفال في الكتاب المقدس والذي ذكر هو عن عماد أهل البيت مثل (أع 16: 15)
 
(2) أمر المسيح قبيل صعوده : " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس . وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به " (مت 28: 19, 20) . كما قال لهم : "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها .من آمن واعتمد خلص ، ومن لم يؤمن يدن " (مرقس 16: 15, 16) . فالتلمذة -أي الإيمان - تسبق المعمودية ، فيجب أن يؤمن الشخص أولاً ويصبح تلميذاً للمسيح قبل أن يحق له الاعتماد باسمه . 
 
(3) عندما نادى الرسول بطرس بالإنجيل في يوم الخمسين ، آمن عدد كبير قيل عنهم : "فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا " ( أع 2: 41) فقبول الكلمة أي الإيمان بالمسيح ، سبق المعمودية . 
 
(4) عندما بشر فيلبس الخصي الحبشي ، وسأل الخصي : "هو ذا ماء . ماذا يمنع أن أعتمد ؟ فقال له فيلبس : إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز .فأجاب وقال : "أنا أومن ان الرب يسوع المسيح هو ابن الله " ( أع 8: 36, 37) . وواضح كل الوضوح أن فيلبس اشترط الإيمان قبل المعمودية ، فلم يعمَّد الخصي إلا بعد اعترافه بالإيمان بالرب يسوع المسيح ابن الله . 
 
(5) يقول الرسول بطرس عن الذين آمنوا عندما كرز بالإنجيل في بيت كرنيليوس ، ورأى أن الروح القدس قد حل "على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة . . أتري يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضاً . وأمر أن يعتمدوا باسم الرب " (أع 10: 44-48).فلم يأمر بطرس بعمادهم إلا بعد أن تأكد أولاً من إيمانهم بالرب يسوع المسيح. 
 
(6 يقول الرسول بولس : "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته . فدفنا معه في بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نحن نسلك أيضاً في جدة الحياة " (رو 6: 3-5) .فالرسول يربط بين المعمودية والحياة الجديدة ، كما يقول أيضاً : "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح "(غل 3: 27) . 
 
(7) يقول الرسول بطرس المعمودية ليست " إزالة وسخ جسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح " (1 بط 3: 21) . وكيف يستطيع الطفل أن يكون له مثل هذا الضمير الصالح الذي يتجاوب مع الله على أساس قيامة المسيح ؟ 
 
(8) كل هذه الآيات التي ذكرت نرى من خلالها ان الحديث كان بين بالغين في السن أع 2: 37. 8: 36. 10: 47. 16: 33.
 
 
(II) رأي يعتقد بأن المعمودية للمؤمنين وأطفالهم ، ويبنون رأيهم على : 
 
(1) تعامل الله في العهد القديم مع إبراهيم وعائلته ، فكان ختان أطفال المؤمنين في العهد القديم ، يُدخل أبناءهم في العهد مع الله ، إذ يصبحون بالختان " أبناء العهد " (تك 17: 9-14) ، ولا يمكن أن يكون الإنجيل أضيق حدوداً من شريعة العهد القديم . 
 
(2) إذا كان الله قد أمر شعبه في العهد القديم بضرورة ختان أولادهم ليدخلوا في العهد معه ، لكي يربوهم في مخافة الرب ويعلِّموهم شريعته ، مع الوعد أن يكون لهم إلهاً وهم يكونون له أولاداً . وإذا كان الله لا تغيير عنده ، فلماذا لا تستمر معاملته للأولاد على هذا الأساس في العهد الجديد ؟ وكما كان الختان علامة العهد في العهد القديم ، فكيف لا تكون المعمودية علامة الدخول في العهد الجديد ؟ . 
 
(3) قال المسيح : "دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات" ( مت 19: 14، مرقس 10: 13- 15) . 
 
(4) قال الرسول بطرس في ختام كلامه في يوم الخمسين : " توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا الروح القدس ، لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد .كل من يدعوه الرب إلهنا " (أع 2: 37-40) . 
 
(5) يقول الرسول بولس : "لأن الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة ، والمرأة غير المؤمنة مقدسة في الرجل ، وإلا فأولادكم نجسون ، وأما الآن فهم مقدسون " (1 كو 7: 14) 
 
(6) يسجل سفر الأعمال حوادث عديدة عن عماد " أهل البيت " مثل ليدية " وأهل بيتها " ( أع 16: 15) ،وسجان فيلبي (أع 16: 33) ،وبيت استفانوس (1 كو 1: 16)
 
(7) أن معمودية الأطفال بدأت تأخذ دورها في الكنيسة بشكل رسمي أي طقس رسمي للأطفال لقبولهم ان يصيروا مسيحيين في أواخر عام 400م حيث هناك أصبحت الكنيسة تنظر إلى التثبيت والمسحة باعتبارهما من الأسرار الكنسية. لذلك فقد آمنت الكنيسة بضرورة معمودية الأطفال والسبب الأساسي هو الفكر اللاهوتي حول عقيدة الخطية الأولى التي ورثها الأنسان من آدم وحواء. ولقد وجدت معمودية الطفال رفض عند بعض الآباء من الكنيسة الكاثوليكية مثل ترتليان. فقبل هذا التاريخ أي 400م كانت المعمودية في الكنيسة تعتبر طقسا لقبول المؤمنين الجدد إلى الكنيسة فكان المؤمن يدخل في اختبار لحقيقة صدق أيمانه وطبعا كان هذا للبالغين طبعا. احد الأسباب الرئيسية في دخول طقس العماد للأطفال هو الأمراض الفتاكة التي اجتاحت أوروبا في هذه العصور وموت الكثير من الناس بالأخص مرض الطاعون او كما اطلق علية الموت الأسود. 
 
الرد على الحجج المختلفة التي يقدمها أنصار معمودية الأطفال بالآتي :
 
لم تحل المعمودية محل الختان الذي كان علامة عهد بين الله وبين نسل إبراهيم ، فقد ختن الرسول بولس تيموثاوس رغم عماده من قبل كتلميذ للمسيح ( أع 16: 3) . ثم أن الختان كان للذكور فقط ، أما المعمودية فلكل من يؤمن ، ذكراً كان أم أنثى . 
 
ولو كانت المعمودية حلت محل الختان ، لكانت الفرصة المناسبة لإعلان ذلك ، عند انعقاد المجمع من الرسل والمشايخ في الكنيسة في أورشليم لبحث مسألة الختان ذاته ، فكان يكفي للوصول إلى القرار الحاسم ، القول إنه لم تعد حاجة للختان لأن المعمودية قد حلت محله ، ولكن لم يحدث ذلك (ارجع إلى الإصحاح الخامس عشر من سفر أعمال الرسل ) فالختان كان رمزاً لختان القلب بالروح ( رو 2 : 28, 29) . وهو ما كان يعوز اليهود الذين كانوا مختونين بالجسد ، ولكنهم كانوا "قساة الرقاب غير مختونين بالقلوب والآذان " (أع 7: 51) . 
 
وإن كان هناك وجه شبه بين الختان والمعمودية ، فهو أن كل من يولد في عائلة إبراهيم -حسب الجسد - كان له الحق أن يختن في اليوم الثامن من مولده ، وهكذا يجب الآن على كل من يولد الولادة الجديدة بالروح بالإيمان بالمسيح ، فيصبح ابنا لله ، أن يعتمد . 
 
** أما قول الرب : "دعوا الأولاد يأتون إلىَّ " ، فهو يتضمن رغبة الولد في الإتيان إلى الرب . وكم من مؤمنين أتوا إلى الرب في سن الصبا، حين يكون الإيمان صادقاً، قبل أن تظلم الخطية الذهن وتعمي البصر. وقد قال الرب : "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد ، فلن تدخلوا ملكوت السموات " (مت 18: 3) ، أي أن يكونوا في بساطة ونقاء الذهن والقلب ، كما يقول الرسول بولس : "لا تكونوا أولاداً في أذهانكم ،بل كونوا أولاداً في الشر " ( 1 كو 14: 20) . 
 
*** يقول الرسول بطرس : " لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد " ولا شك في أن الوعد بغفران الخطايا وعطية الروح القدس ، مقدم للجميع وليس لهم ولأولادهم فقط ، بل " لكل الذين على بعد . كل من يدعوه الرب إلهنا " ( أع 2: 39)، فلم يكن الموعد هو " المعمودية " بل الإيمان لنوال مغفرة الخطايا وعطية الروح القدس الذي به ختم المؤمنون إلى يوم الفداء ( أف 1: 13، 4: 30). 
 
**** أما الاستناد إلى ما جاء في 1 كو 7: 14، بأن الأولاد " مقدسون " فلا تعني أنهم مؤمنون أو مخلصون ، لأن الشريك غير المؤمن يقال عنه أيضاً إنه " مقدس " فهل معنى ذلك أن الرجل غير المؤمن أو الوثني الذي له زوجة مؤمنة ، ويقال عنه إنه " مقدس في المرأة " له الحق في أن يعتمد دون أن يؤمن ؟ . 
 
(8) أما فيما يتعلق بمعمودية "أهل البيت " ، فالدراسة الدقيقة المخلصة لكلمة الله في كل حالة ، تؤيد أن المعمودية لابد أن يسبقها الإيمان : 
* ففي حالة سجان فيلبي ، نقرأ أن بولس وسيلا "كلماه وجميع من في بيته بكلمة الرب .. واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون.. وتهلل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله " ( أع 16: 32-34) . فكان الكلام لجميع من في بيته، لجميع من سمعوا الكلام ووعوده وقبلوه، حتى قيل أيضاً: "وتهلل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله ". 
 
** قيل عن ليدية إنها : "اعتمدت هي وأهل بيتها " ( أع 16: 15) .ولا يُذكر من هم أهل بيتها بالتفصيل ، ولكن قيل عنهم : "فخرجا (بولس وسيلا) من السجن ودخلا عند ليدية فأبصرا الإخوة وعزياهم " ( أع 16: 40
 
*** يقول الرسول بولس إنه عمد " بيت استفانوس " (1 كو 1: 16) ، ثم يذكر في نهاية الرسالة " أنهم باكورة أخائية ، وقد رتبوا أنفسهم لخدمة القديسين ، كي تخضعوا أنتم لمثل هؤلاء وكل من يعمل معهم ويتعب " ( 1 كو 16: 15, 16) فهو يتكلم عن رجال ناضجين خادمين للقديسين ويتعبون في عمل الرب ، وليس عن أطفال . 
 
(9) إن معمودية الأطفال ، والاعتقاد بالتجديد بالمعمودية ، يقفان عقبة في طريق الكرازة بالإنجيل لأناس شبوا منذ نعومة أظفارهم "متجددين " و "أبناء لله " بينما الإيمان الشخصي هو السبيل الوحيد للخلاص ونوال الحياة الأبدية ( يو 3: 16, 36. . .إلخ ) . فليس الإيمان بالمسيح شيئاً وراثياً ، ولكنه عطية من الله بعمل الروح القدس ( أف 2: 8، 1 كو 12: 3) ، "وأما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاداً لله ، أي المؤمنون باسمه ، الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ، ولا من مشيئة رجل ، بل من الله " ( يو 1: 12, 13).